كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


63 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ طفلي الصغير يصر على صيام رمضان رغم أن الصيام يضره لصغر سنه واعتلال صحته، فهل أستخدم معه القسوة ليفطر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان صغيراً لم يبلغ فإنه لا يلزمه الصوم، ولكن إذا كان يستطيعه دون مشقة فإنه يؤمر به، وكان الصحابة رضي الله عنهم يُصوِّمون أولادهم، حتى إن الصغير منهم ليبكي فيعطونه اللعب يتلهى بها، ولكن إذا ثبت أن هذا يضره فإنه يمنع منه، وإذا كان الله سبحانه وتعالى منعنا من إعطاء الصغار أموالهم خوفاً من الإفساد بها، فإن خوف إضرار الأبدان من باب أولى أن يمنعهم منه، ولكن المنع يكون عن غير طريق القسوة، فإنها لا تنبغي في معاملة الأولاد عند تربيتهم‏.‏

* * *

73 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل يؤمر الصبيان بالصيام دون الخامسة عشرة كما في الصلاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم يؤمر الصبيان الذين لم يبلغوا بالصيام إذا أطاقوه، كما كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يفعلون ذلك بصبيانهم، وقد نص أهل العلم على أن الولي يأمر من له ولاية عليه من الصغار بالصوم، من أجل أن يتمرنوا عليه ويألفوه، وتتطبع أصول الإسلام في نفوسهم حتى تكون كالغريزة لهم‏.‏

ولكن إذا كان يشق عليهم أو يضرهم فإنهم لا يلزمون بذلك، وإنني أنبه هنا على مسألة يفعلها بعض الآباء أو الأمهات وهي منع صبيانهم من الصيام على خلاف ما كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يفعلون‏.‏ يدعون أنهم يمنعون هؤلاء الصبيان رحمة بهم وإشفاقاً عليهم، والحقيقة أن رحمة الصبيان أمرهم بشرائع الإسلام، وتعويدهم عليها، وتأليفهم لها فإن هذا بلا شك من حسن التربية وتمام الرعاية‏.‏ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله‏:‏ ‏(‏إن الرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته‏)‏‏.‏ والذي ينبغي على أولياء الأمور بالنسبة لمن ولاهم الله عليهم من الأهل والصغار أن يتقوا الله تعالى فيهم، وأن يأمروهم بما أمروا أن يأمروهم به من شرائع الإسلام‏.‏

* * *

83 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم صيام الصبي‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صيام الصبي كما أسلفنا ليس بواجب عليه بل هو سنة، له أجره إن صام، وليس عليه إثم إن أفطر، ولكن على ولي أمره أن يأمره به ليعتاده‏.‏

* * *

93 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ تقول أنا امرأة أجبرتني الظروف على الإفطار ستة أيام من شهر رمضان والسبب ظروف الامتحانات، لأنها بدأت في شهر رمضان والمواد صعبة، ولولا إفطاري هذه الأيام لم أتمكن من دراسة هذه المواد نظراً لصعوبتها، أرجو إفادتي ماذا أفعل كي يغفر الله لي ‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ أولاً‏:‏ إضافة الشيء إلى الظروف خطأ، والأولى أن يقال‏:‏ اضطررت وما أشبه ذلك‏.‏

ثانياً‏:‏ إفطارها في رمضان من أجل الاختبار أيضاً خطأ ولا يجوز، لأنه بإمكانها أن تراجع بالليل، وليس هناك ضرورة إلى أن تفطر، فعليها أن تتوب إلى الله عز وجل، وعليها القضاء، لأنها متأولة لم تتركها تهاوناً‏.‏

* * *

04 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ فاقد الذاكرة والمعتوه والصبي والمجنون هل يجب عليهم الصيام‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إن الله سبحانه وتعالى أوجب على المرء العبادات إذا كان أهلاً للوجوب، بأن يكون ذا عقل يدرك به الأشياء، وأما من لا عقل له فإنه لا تلزمه العبادات، وبهذا لا تلزم المجنون، ولا تلزم الصغير الذي لا يميز، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى، ومثله المعتوه الذي أصيب بعقله على وجه لم يبلغ حد الجنون، ومثله أيضاً الكبير الذي بلغ فقدان الذاكرة، كما قال هذا السائل، فإنه لا يجب عليه صوم ولا صلاة ولا طهارة، لأن فاقد الذاكرة هو بمنزلة الصبي الذي لم يميز، فتسقط عنه التكاليف فلا يلزم بطهارة، ولا يلزم بصلاة، ولا يلزم أيضاً بصيام، وأما الواجبات المالية فإنها تجب في ماله وإن كان في هذه الحال، فالزكاة مثلاً يجب على من يتولى أمره أن يخرجها من مال هذا الرجل الذي بلغ هذا الحد، لأن وجوب الزكاة يتعلق بالمال، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْواَلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏}‏ قال‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏}‏ ولم يقل‏:‏ خذ منهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ـ رضي الله عنه ـ حينما بعثه إلى اليمن‏:‏ ‏(‏أعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم‏)‏، فقال‏:‏ ‏(‏صدقة في أموالهم‏)‏ فبين أنها من المال، وإن كانت تؤخذ من صاحب المال‏.‏ وعلى كل حال الواجبات المالية لا تسقط عن شخص هذه حاله، أما العبادات البدنية كالصلاة، والطهارة، والصوم فإنها تسقط عن مثل هذا الرجل؛ لأنه لا يعقل‏.‏

وأما من زال عقله بإغماء من مرض فإنه لا تجب عليه الصلاة على قول أكثر أهل العلم، فإذا أغمي على المريض لمدة يوم أو يومين فلا قضاء عليه، لأنه ليس له عقل، وليس كالنائم الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها‏)‏، لأن النائم معه إدراك بمعنى أنه يستطيع أن يستيقظ إذا أوقظ، وأما هذا المغمى عليه فإنه لا يستطيع أن يفيق إذا أوقظ، هذا إذا كان الإغماء ليس بسبب منه، أما إذا كان الإغماء بسبب منه كالذي أغمي عليه من البنج فإنه يقضي الصلاة التي مضت عليه وهو في حال الغيبوبة‏.‏

* * *

14 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم المسلم الذي مضى عليه أشهر من رمضان يعني سنوات عديدة بدون صيام مع إقامة بقية الفرائض وهو بدون عائق عن الصوم أيلزمه القضاء إن تاب‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الصحيح أن القضاء لا يلزمه إن تاب؛ لأن كل عبادة مؤقتة بوقت إذا تعمد الإنسان تأخيرها عن وقتها بدون عذر، فإن الله لا يقبلها منه، وعلى هذا فلا فائدة من قضائه، ولكن عليه أن يتوب إلى الله عز وجل ويكثر من العمل الصالح، ومن تاب تاب الله عليه‏.‏

* * *

24 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم صيام تارك الصلاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ تارك الصلاة صومه ليس بصحيح ولا مقبول منه؛ لأن تارك الصلاة كافر مرتد، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ‏}‏‏.‏ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة‏)‏‏.‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر‏)‏‏.‏ ولأن هذا قول عامة الصحابة إن لم يكن إجماعاً منهم، قال عبدالله بن شقيق ـ رحمه الله ـ وهو من التابعين المشهورين‏:‏ كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة، وعلى هذا فإذا صام الإنسان وهو لا يصلي فصومه مردود غير مقبول، ولا نافع له عند الله يوم القيامة، ونحن نقول له‏:‏ صل ثم صم، أما أن تصوم ولا تصلي فصومك مردود عليك لأن الكافر لا تقبل منه العبادة‏.‏

* * *

34 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم صيام من يعقل زمناً ويجن زمناً آخر‏؟‏ أو يهذي يوماً ويصحو يوماً آخر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الحكم يدور مع علته، ففي الأوقات التي يكون فيها صاحياً عاقلاً يجب عليه الصوم، وفي الأوقات التي يكون فيها مجنوناً مهذرياً لا صوم عليه، فلو فرض أنه يجن يوماً ويفيق يوماً، أو يهذري يوماً ويصحو يوماً ففي اليوم الذي يصحو فيه يلزمه الصوم، وفي اليوم الذي لا يصحو فيه لا يلزمه الصوم‏.‏

* * *

44 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل يجوز للعمال إذا شق عليهم العمل أن يفطروا‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ عليهم أن يصوموا وأن يستعينوا بالله عز وجل، فمن استعان بالله أعانه الله، فإذا رأوا أثناء النهار عطشاً يضرهم، أو يكون سبباً في هلاكهم فلا حرج عليهم أن يفطروا للضرورة، ولكن خير من هذا أن يتفقوا مع الكفيل، أو صاحب العمل على أن يكون عملهم في رمضان ليلاً، أو بعضه في الليل وبعضه في أول النهار، أو أن يخفف من ساعات العمل حتى يقوموا بالعمل والصيام على وجه مريح‏.‏

* * *

54 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقاً، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض فيلزمه قضاؤه كالنذر، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر فالراجح أنه لا يلزمه القضاء، لأنه لا يستفيد به شيئاً، إذ أنه لن يقبل منه، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏‏.‏ ولأنه من تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ‏}‏‏.‏ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها أي فعلها قبل دخول الوقت لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً‏.‏

* * *

64 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ يقع بعض الشباب فتيان وفتيات في جهل فهم يتصورون أن سن التكليف 61 سنة وقد يبلغون قبل هذه السن ولكنهم لم يصوموا فماذا عليهم‏؟‏ وهل يقضون السنوات الماضية‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم هذا الذي ذكره السائل كثير ولاسيما في النساء حيث يأتيهن الحيض في سن مبكر أحياناً، وليس البلوغ محدداً بالسن فقط، بل البلوغ يحصل بأشياء غير السن، وهي نبات شعر العانة، وإنزال المني، بالإضافة إلى تمام خمس عشرة سنة، وتزيد الأنثى أمراً رابعاً وهو الحيض، وعلى هذا فإذا بلغ الإنسان وجب عليه قضاء الصوم الذي تركه بعد بلوغه، وأكثر الناس يصلون في هذه المدة ولا يتركون الصلاة، لكن يتركون الصوم حيث إن المرأة إذا بلغت بالحيض وهي صغيرة تستحي أن تخبر أهلها بذلك، وتجدها أحياناً لا تصوم، وأحياناً تصوم حتى وقت الحيض، فيجب عليها القضاء في الصورتين، إذا كانت لم تصم وجب عليها قضاء الشهر كاملاً، وإذا كانت تصوم حتى أيام الحيض وجب عليها قضاء أيام الحيض‏.‏

* * *

74 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ شخص بالغ أفطر في رمضان ظنًّا منه أن الصيام لا يجب إلا على من بلغ الخامسة عشرة فماذا يلزمه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يلزمه قضاء ما أفطره، اللهم إلا أن يكون في محل يغلب على أهله الجهل، وليس عندهم أحد من أهل العلم فينظر في أمره‏.‏

* * *

84 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ فتاة أتاها الحيض وهي في الرابعة عشرة من عمرها وتركت الصيام جهلاً منها بأن البلوغ يحصل بذلك فما الحكم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذه الفتاة التي أتاها الحيض وهي في الرابعة عشرة من عمرها، ولم تعلم أن البلوغ يحصل بذلك ليس عليها إثم حين تركت الصيام في تلك السنة؛ لأنها جاهلة، والجاهل لا إثم عليه، لكن حين علمت أن الصيام واجب عليها فإنه يجب عليها أن تبادر بقضاء ذلك الشهر، الذي أتاها بعد أن حاضت، فإن المرأة إذا بلغت وجب عليها الصوم، وبلوغ المرأة يحصل بواحد من أمور أربعة، إما أن يتم لها خمس عشرة سنة، وإما أن تنبت عانتها، وإما أن تنزل، وإما أن تحيض‏.‏ فإذا حصل واحد من هذه الأربعة فقد بلغت وكلفت ووجبت عليها العبادات كما تجب على الكبير‏.‏

94 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما رأي فضيلتكم فيمن عمله شاق ويصعب عليه الصيام هل يجوز له الفطر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الذي أرى في هذه المسألة أن إفطاره من أجل العمل محرم ولا يجوز، وإذا كان لا يمكن الجمع بين العمل والصوم فليأخذ إجازة في رمضان، حتى يتسنى له أن يصوم في رمضان؛ لأن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام لا يجوز الإخلال به‏.‏

* * *

05 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ فتاة صغيرة حاضت وكانت تصوم أيام الحيض جهلاً، فماذا يجب عليها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يجب عليها أن تقضي الصيام الذي كانت تصومه في أيام حيضها، لأن الصيام في أيام الحيض لا يُقبل ولا يصح ولو كانت جاهلة؛ لأن القضاء لا حد لوقته‏.‏

وهنا مسألة عكس هذه المسألة‏:‏ امرأة جاءها الحيض وهي صغيرة، فاستحيت أن تخبر أهلها فكانت لا تصوم، فهذه يجب عليها قضاء الشهر الذي لم تصمه؛ لأن المرأة إذا حاضت صارت مكلفة؛ لأن الحيض إحدى علامات البلوغ‏.‏

* * *

15 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ رجل ترك صيام رمضان من أجل كسب عيشه وعيش من تحته من الذرية فما الحكم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا الرجل الذي ترك صيام شهر رمضان بحجة أنه يكتسب العيش له ولأولاده، إذا كان فعل ذلك متأولاً يظن أنه كما جاز للمريض أن يفطر، فإنه يجوز لمن لا يستطيع العيش إلا بالإفطار أن يفطر، فهذا متأول ويقضي رمضان إن كان حيًّا، أو يصام عنه إن كان ميتاً، فإن لم يصم عنه وليه فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكين‏.‏

أما إذا تركه بغير تأويل فإن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن كل عبادة مؤقتة، إذا تعمد الإنسان إخراجها عن وقتها بلا عذر، فإنها لا تقبل منه، وإنما يكتفى منه بالعمل الصالح، وكثرة النوافل والاستغفار، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه‏:‏ ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏‏.‏ فكما أن العبادة المؤقتة لا تفعل قبل وقتها، فكذلك لا تفعل بعد وقتها، أما إذا كان هناك عذر كالجهل والنسيان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في النسيان‏:‏ ‏(‏من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك‏)‏، مع أن الجهل يحتاج إلى تفصيل، وليس هذا موضع ذكره‏.‏

* * *

25 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا لم يعلم الناس دخول الشهر إلا بعد مضي وقت من النهار، فما الواجب عليهم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا علم الناس بدخول شهر رمضان في أثناء اليوم فإنه يجب عليهم الإمساك؛ لأنه ثبت أن هذا اليوم من شهر رمضان فوجب إمساكه‏.‏

ولكن هل يلزمهم قضاء هذا اليوم‏؟‏ في هذا خلاف بين أهل العلم‏.‏

فجمهور العلماء يرون أنه يلزمهم القضاء، لأنهم لم ينووا الصيام من أول اليوم، بل مضى عليهم جزء من اليوم بلا نية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى‏)‏

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يلزمهم القضاء؛ لأنهم كانوا مفطرين عن جهل، والجاهل معذور بجهله‏.‏

ولكن القول بوجوب القضاء أحوط وأبرأ للذمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏دع ما يريبك إلى ما لا يريبك‏)‏ فما هو إلا يوم واحد وهو يسير لا مشقة فيه، وفيه راحة للنفس وطمأنينة للقلب‏.‏

* * *

35 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا هدد الكفيل مكفوله المسلم بالفصل من العمل إذا لم يفطر في رمضان فهل يفطر‏؟‏ وما نصيحتكم لهذا الكفيل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا يجوز للإنسان أن يدع فرائض الله من أجل تهديد عباد الله، بل الواجب على الإنسان أن يقوم بالفرائض، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، أرأيت لو قال لك‏:‏ لا تصلي‏.‏ فإن صليت فلا تعمل عندي هل تطيعه في ذلك‏؟‏ لا شك أنك لا تطيعه، وهكذا جميع الفرائض التي فرض الله عليك، لا يحل لك أن تدعها بتهديد غيرك بمنع العمل إذا قمت بها‏.‏

ونقول لهذا الذي استأجر هذا العامل‏:‏ إن الذي يليق بك وأنت رجل مسلم أن تعينه على طاعة الله من الصلاة والصيام وغيرها من العبادات، التي يقوم بها هذا العامل مع وفائه بالعقد الذي بينك وبينه، فإنك إذا فعلت ذلك فقد أعنته على البر والتقوى، والمعين على البر والتقوى كالفاعل، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا‏)‏ فأنت يا أخي اتق الله في هؤلاء العمال، ولا تحرمهم فضل الله عز وجل الذي لا يمنع العمل ولا ينقصه، بل إن هذا قد يكون سبباً لبركة العمل، وأضيف إلى هذا أنه كثرت الشكاوى من العمال في مكفوليهم، حيث إن بعض الكفلاء ـ نسأل الله لنا ولهم الهداية ـ يؤذون المكفول ويماطلونه بحقه، ربما ييقى شهرين، أو ثلاثة، أو أربعة لم يسلمه حقه، بل ربما ينكر ذلك أحياناً، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال‏:‏ ‏(‏ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة‏:‏ رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعط أجره‏)‏‏.‏ ثم ليتق الله في هؤلاء الفقراء المساكين الذين جاءوا يريدون لقمة العيش في هذه البلاد، فيماطلهم حقهم شهرين، ثلاثة، أربعة، أكثر من ذلك، وهم في حاجة، وأهلوهم قد يكونون في ضرورة‏.‏

* * *

45 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا أسلم رجل بعد مضي أيام من شهر رمضان فهل يطالب بصيام الأيام السابقة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا لا يطالب بصيام الأيام السابقة لأنه كان كافراً فيها، والكافر لا يطالب بقضاء ما فاته من الأعمال الصالحة، لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأوَّلِينِ ‏}‏ ولأن الناس كانوا يسلمون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن يأمرهم بقضاء ما فاتهم من صوم، ولا صلاة، ولا زكاة‏.‏

ولكن لو أسلم في أثناء النهار فهل يلزمه الإمساك والقضاء‏؟‏ أو الإمساك دون القضاء‏؟‏ أو لا يلزمه إمساك ولا قضاء‏.‏ في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، والقول الراجح‏:‏ أنه يلزمه الإمساك دون القضاء، فيلزمه الإمساك؛ لأنه صار من أهل الوجوب، ولا يلزمه القضاء لأنه قبل ذلك ليس من أهل الوجوب، فهو كالصبي إذا بلغ في أثناء النهار فإنه يلزمه الإمساك، ولا يلزمه القضاء على القول الراجح في هذه المسألة‏.‏

* * *

55 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا أسلم الكافر في نهار رمضان فهل يلزمه إمساك باقي اليوم الذي أسلم فيه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم يلزمه أن يمسك بقية اليوم الذي أسلم فيه؛ لأنه صار الآن من أهل الوجوب فلزمه، وهذا بخلاف ارتفاع المانع فإنه إذا ارتفع المانع، لم يلزم إمساك بقية اليوم، مثل أن تطهر المرأة من حيضها في أثناء النهار، فإنه لا يلزمها أن تمسك بقية النهار، وكذلك لو برأ المريض المفطر من مرضه في أثناء النهار، فإنه لا يلزمه الإمساك؛ لأن هذا اليوم قد أبيح له فطره، مع كونه من أهل الالتزام ـ أي مسلماً ـ بخلاف الذي طرأ إسلامه في أثناء النهار فإنه يلزمه الإمساك ولا يلزمه القضاء‏.‏

أما أولئك أعني الحائض والمريض فإنه لا يلزمهم الإمساك، لكن يلزمهم القضاء‏.‏

* * *

65 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل يلزمه قضاء الأيام التي مضت من الشهر قبل إسلامه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا يلزمه قضاء الأيام التي كانت قبل إسلامه؛ لأنه حين ذاك لا يوجه إليه الأمر بالصيام، فليس من أهل وجوب الصيام حتى يلزمه قضاؤه‏.‏

* * *

75 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا أفطر الإنسان لعذر وزال العذر في نفس النهار فهل يواصل الفطر أم يمسك‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الجواب أنه لا يلزمه الإمساك؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بدليل من الشرع، فحرمة هذا اليوم غير ثابتة في حق هذا الرجل، ولكن عليه أن يقضيه، وإلزامنا إياه أن يمسك بدون فائدة له شرعاً ليس بصحيح‏.‏ ومثال ذلك‏:‏ رجل رأى غريقاً في الماء، وقال‏:‏ إن شربت أمكنني إنقاذه، وإن لم أشرب لم أتمكن من إنقاذه‏.‏ فنقول‏:‏ اشرب وانقذه‏.‏ فإذا شرب وأنقذه فهل يأكل بقية يومه‏؟‏ نعم يأكل بقية يومه؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بمقتضى الشرع، فلا يلزمه الإمساك، ولهذا لو كان عندنا إنسان مريض، هل نقول لهذا المريض‏:‏ لا تأكل إلا إذا جعت ولا تشرب إلا إذا عطشت‏؟‏ لا، لأن هذا المريض أبيح له الفطر‏.‏ فكل من أفطر في رمضان بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يلزمه الإمساك، والعكس بالعكس، لو أن رجلاً أفطر بدون عذر، وجاء يستفتينا‏:‏ أنا أفطرت وفسد صومي هل يلزمني الإمساك أو لا يلزمني‏؟‏ قلنا‏:‏ يلزمك الإمساك؛ لأنه لا يحل لك أن تفطر، فقد انتهكت حرمة اليوم بدون إذن من الشرع، فنلزمك بالبقاء على الإمساك، وعليك القضاء؛ لأنك أفسدت صوماً واجباً شرعت فيه‏.‏

85 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا قدم المسافر لبلد غير بلده فهل ينقطع سفره‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا قدم المسافر لبلد غير بلده لم ينقطع سفره، فيجوز له الفطر في رمضان وإن بقي جميع الشهر، أما إذا قدم إلى بلده وهو مفطر فإنه لا يجب عليه الإمساك، فله أن يأكل ويشرب بقية يومه؛ لأن إمساكه لا يفيده شيئاً لوجوب قضاء هذا اليوم عليه، هذا هو القول الصحيح، وهو مذهب مالك والشافعي، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ لكن لا ينبغي له أن يأكل ويشرب علناً‏.‏

* * *

95 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار هل يجب عليها الإمساك‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار لم يجب عليها الإمساك، ولها أن تأكل وتشرب، لأن إمساكها لا يفيدها شيئاً لوجوب قضاء هذا اليوم عليها، وهذا مذهب مالك والشافعي وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏من أكل أول النهار فليأكل آخره‏)‏، يعني من جاز له الفطر أول النهار جاز له الفطر في آخره‏.‏

* * *

06 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ من أفطر في نهار رمضان لعذر شرعي فهل يجوز له أن يأكل ويشرب بقية اليوم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يجوز له أن يأكل ويشرب لأنه أفطر بعذر شرعي، وإذا أفطر بعذر شرعي فقد زالت حرمة اليوم في حقه، وصار له أن يأكل ويشرب، بخلاف الرجل الذي أفطر في نهار رمضان بدون عذر، فإنا نلزمه بالإمساك، وإن كان يلزمه القضاء، فيجب التنبه للفرق بين هاتين المسألتين‏.‏

* * *

16 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ أشرتم إلى الخلاف في إمساك الحائض والنفساء إذا طهرتا أثناء النهار فهل من يستدل‏:‏ بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أوجب صوم عاشوراء

أمر من كان أكل بعد أن أصبح بالإمساك استدلاله صحيح‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ ذكرنا أثناء بحثنا في الصيام أن المرأة إذا كانت حائضاً وطهرت في أثناء النهار، فإن العلماء اختلفوا هل يجب عليها أن تمسك بقية اليوم فلا تأكل ولا تشرب، أو يجوز لها أن تأكل وتشرب بقية اليوم، وقلنا‏:‏ إن في ذلك روايتين عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ‏:‏ إحداهما‏:‏ وهي المشهور من المذهب، أنه يجب عليها الإمساك، فلا تأكل ولا تشرب‏.‏

والثانية‏:‏ أنه لا يجب عليها الإمساك، فيجوز لها أن تأكل وتشرب‏.‏ وقلنا‏:‏ إن هذه الثانية هي مذهب مالك والشافعي ـ رحمهما الله ـ‏.‏ وإن ذلك هو المروي عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فإنه قال‏:‏ ‏(‏من أكل أول النهار فليأكل آخره‏)‏‏.‏ وقلنا‏:‏ إن الواجب على طالب العلم في مسائل الخلاف الواجب عليه أن ينظر في الأدلة، وأن يأخذ بما ترجح عنده منها، وأن لا يبالي بخلاف أحد مادام أن الدليل معه، لأننا نحن مأمورون باتباع الرسل، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ‏}‏‏.‏

وأما الاحتجاج بما صح به الحديث، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء في أثناء اليوم، فأمسك الناس بقية يومهم، نقول‏:‏ لا مستند لهم في هذا الحديث؛ لأن صوم يوم عاشوراء ليس فيه زوال مانع، وإنما فيه تجدد وجوب، وفرق بين زوال المانع وتجدد الوجوب، لأن تجدد الوجوب معناه أن الحكم لم يثبت قبل وجوب سببه، وأما زوال المانع فمعناه أن الحكم ثابت مع المانع لولا هذا المانع ومادام هذا المانع موجوداً مع وجود أسباب الحكم، فمعناه أن هذا المانع لا يمكن أن يصح معه الفعل لوجوده، ونظير هذه المسألة التي أوردها السائل نظيرها ما لو أسلم إنسان في أثناء اليوم، فإن هذا الذي أسلم تجدد له الوجوب، ونظيرها أيضاً ما لو بلغ الصبي في أثناء اليوم وهو مفطر، فإن هذا تجدد له الوجوب فنقول لمن أسلم في أثناء النهار‏:‏ يجب عليك الإمساك، ولكن لا يجب عليك القضاء، ونقول للصبي إذا بلغ في أثناء النهار‏:‏ يجب عليك الإمساك، ولا يجب عليك القضاء، بخلاف الحائض إذا طهرت، فإنه بإجماع أهل العلم يجب عليها القضاء، الحائض إذا طهرت أثناء النهار أجمع العلماء على أنها إن أمسكت بقية اليوم لا ينفعها هذا الإمساك ولا يكون صوماً، وأن عليها القضاء، وبهذا عرف الفرق بين تجدد الوجوب وبين زوال المانع، فمسألة الحائض إذا طهرت من باب زوال المانع، ومسألة الصبي إذا بلغ أو ما ذكره السائل من إيجاب صوم يوم عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، هذا من باب تجدد الوجوب، والله الموفق‏.‏

* * *

26 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ سمعت أنكم أفتيتم للحائض إذا طهرت في نهار رمضان أنها تأكل وتشرب ولا تمسك بقية يومها، وكذلك المسافر إذا قدم للبلد في النهار فهل هذا صحيح‏؟‏ وما وجه ذلك‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم ما سمعته من أني ذكرت أن الحائض إذا طهرت في أثناء اليوم لا يجب عليها الإمساك، وكذلك المسافر إذا قدم، فهذا صحيح عني، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وهو مذهب مالك والشافعي ـ رحمهما الله ـ وروي عن عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏من أكل أول النهار فليأكل آخره‏)‏، وروي عن جابر بن يزيد وهو أبو الشعثاء أحد أئمة التابعين الفقيه أنه قدم من سفر فوجد امرأته طاهراً من الحيض في ذلك اليوم فجامعها، ذكر هذين الأثرين في المغني، ولم يتعقبهما، ولأنه لا فائدة من الإمساك، لأنه لا يصح صيام ذلك اليوم إلا من الفجر، ولأن هؤلاء يباح لهم الفطر أول النهار ظاهراً وباطناً مع علمهم بأنه رمضان، والله إنما أوجب الإمساك من أول النهار من الفجر، وهؤلاء في ذلك الوقت ليسوا من أهل الوجوب، فلم يكونوا مطالبين بالإمساك المأمور به‏.‏ ولأن الله إنما أوجب على المسافر وكذلك الحائض عدة من أيام أخر، بدلاً عن التي أفطرها، ولو أوجبنا عليه الإمساك لأوجبنا عليه أكثر مما أوجبه الله؛ لأننا حينئذ أوجبنا إمساك هذا اليوم مع وجوب قضائه، فأوجبنا عليه أمرين مع أن الواجب أحدهما، وهو القضاء عدة من أيام أخر وهذا من أظهر الأدلة على عدم الوجوب‏.‏

أما الرواية الثانية عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ فيجب عليهم الإمساك والقضاء، وهو مذهب أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ وحجتهم قياس ذلك على ما إذا قامت البينة في أثناء النهار، فإنه يجب الإمساك على من كان من أهل الوجوب، وهذا القياس فيه نظر‏.‏

أولاً‏:‏ لأن من قامت عليه البينة في أثناء النهار لا يباح له الفطر في أول النهار لو علم بالهلال، فلم يكن ممن يباح له الفطر ظاهراً وباطناً، وحقيقته أنه يحرم الفطر، لكن هو معذور بعدم العلم فلم يكن عليه حرج في أكله قبل العلم بالهلال فأشبه الناسي‏.‏

ثانياً‏:‏ ولأن من قامت عليه البينة في أثناء النهار فأمسك له فائدة من الإمساك، على قول شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ ومن وافقه، وذلك أن هذا الإمساك يفيده ويسقط عنه القضاء، فلا قضاء عليه على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، لأنه معذور بالأكل حيث لم يعلم بالهلال مع أن أبا الخطاب ذكر رواية‏:‏ لا يلزمه الإمساك، وقاله عطاء من التابعين، فإذا تبين أنه ليس مع القائلين بوجوب الإمساك على الحائض إذا طهرت والمسافر إذا قدم، إلا مجرد القياس على ما إذا قامت البينة في أثناء النهار، وأن هذا القياس فيه نظر، لعدم مساواة الفرع للأصل إذا تبين ذلك، فالأصل براءة الذمة وعدم الوجوب، ولكن ينبغي أن لا يظهر الأكل والشرب علناً إذا كان في ذلك مفسدة‏.‏

* * *

36 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما الفرق بين هذه الحالة وبين من علموا بدخول الشهر في أثناء النهار‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الفرق بينهما ظاهر، لأنه إذا قامت البينة في أثناء النهار فإنه يلزمهم الإمساك؛ لأنهم في أول النهار إنما أفطروا بالعذر ‏(‏عذر الجهل‏)‏، ولهذا لو كانوا عالمين بأن هذا اليوم من رمضان لزمهم الإمساك، أما القوم الآخرون الذين أشرنا إليهم فهم يعلمون أنه من رمضان، لكن الفطر مباح لهم، فبينهما فرق ظاهر‏.‏

* * *

46 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ امرأة تقول‏:‏ جاءها الحيض، وتوقف عنها الدم في اليوم السادس من المغرب حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً، واغتسلت هذا اليوم وصامت اليوم الذي بعده، ثم جاءتها كدرة بنية وصامت هذا اليوم، هل يعتبر هذا من الحيض مع أن عادتها تجلس سبعة أيام‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذه الكدرة ليست من الحيض، الكدرة التي تصيب المرأة من بعد طهارتها ليست بشيء، قالت أم عطية ـ رضي الله عنها ـ‏:‏ ‏(‏كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً‏)‏‏.‏ وفي رواية أخرى‏:‏ ‏(‏كنا لا نعدها شيئاً‏)‏‏.‏ ولم تذكر بعد الطهر‏.‏ والحيض دم ليس بكدرة ولا صفرة، وعلى هذا فيكون صيام هذه المرأة صحيحاً، سواء في اليوم الذي لم تر فيه الكدرة، أو اليوم الذي رأت فيه الكدرة، لأن هذه الكدرة ليست بحيض‏.‏

* * *

56 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا طهرت الحائض قبل الفجر ولم تغتسل إلا بعد الفجر فما حكم صيامها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا طهرت الحائض قبل طلوع الفجر ولو بدقيقة واحدة ولكن تيقنت الطهر فإنه إذا كان في رمضان يلزمها الإمساك، ويكون صومها ذلك اليوم صحيحاً؛ لأنها صامت وهي طاهر، وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، فلا حرج كما أن الرجل لو أصبح جنباً من جماع، أو احتلام وتسحر ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر كان صومه صحيحاً‏.‏

وبهذا المناسبة أود أن أنبه إلى أمر آخر عند النساء أنه إذا أتاها الحيض وقد صامت ذلك اليوم فإن بعض النساء يظن أن الحيض إذا أتاها بعد الغروب قبل أن تصلي العشاء فسد صوم ذلك اليوم، وهذا لا أصل له، بل إن الحيض إذا أتاها بعد الغروب ولو بلحظة فإن صومها تام وصحيح‏.‏

* * *

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

من الولد‏.‏‏.‏‏.‏ إلى جناب الوالد المكرم الشيخ الفاضل محمد بن صالح العثيمين حفظه الله بطاعته آمين‏.‏

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد‏:‏

نهنئك بشهر رمضان المبارك جعلنا الله من صوامه وقوامه على الوجه الأكمل، وبعد، أمتعني الله في حياتك، امرأة صامت وهي شاكة في الطهر من الحيض، فلما أصبحت فإذا هي طاهرة هل ينعقد صومها وهي لم تتيقن الطهر، أفتني أثابك الله الجنة بمنه وكرمه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

شكر الله سعيكم على التهنئة برمضان، نسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليكم بالعون على طاعته، وقبول صالح الأعمال، والتجاوز عن السيئات والإهمال‏.‏

ومن جهة المرأة المذكورة فصيامها غير منعقد، ويلزمها قضاء ذلك اليوم، وذلك لأن الأصل بقاء الحيض ودخولها في الصوم مع عدم تيقن الطهر دخول في العبادة مع الشك في شرط صحتها، وهذا يمنع انعقادها‏.‏ والله يحفظكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

حرره كاتبه محمد الصالح العثيمين في 61/9/8931هـ‏.‏

66 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن الأعذار المبيحة للفطر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الأعذار المبيحة للفطر‏:‏ المرض والسفر كما جاء في القرآن الكريم، ومن الأعذار أن تكون المرأة حاملاً تخاف على نفسها، أو على جنينها، ومن الأعذار أيضاً أن تكون المرأة مرضعاً تخاف إذا صامت على نفسها، أو على رضيعها، ومن الأعذار أيضاً أن يحتاج الإنسان إلى الفطر لإنقاذ معصوم من هلكة، مثل أن يجد غريقاً في البحر، أو شخصاً بين أماكن محيطة به فيها نار، فيحتاج في إنقاذه إلى الفطر، فله حينئذ أن يفطر وينقذه، ومن ذلك أيضاً إذا احتاج الإنسان إلى الفطر للتقوي على الجهاد في سبيل الله، فإن ذلك من أسباب إباحة الفطر له، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في غزوة الفتح‏:‏ ‏(‏إنكم ملاقو العدو غداً والفطر أقوى لكم فأفطروا‏)‏ فإذا وجد السبب المبيح للفطر وأفطر الإنسان به فإنه لا يلزمه الإمساك بقية ذلك اليوم، فإذا قدر أن شخصاً قد أفطر لإنقاذ معصوم من هلكة فإنه يستمر مفطراً ولو بعد إنقاذه، لأنه أفطر بسبب يبيح له الفطر، فلا يلزمه الإمساك حينئذ، لكون حرمة ذلك اليوم قد زالت بالسبب المبيح للفطر، ولهذا نقول بالقول الراجح في هذه المسألة‏:‏ إن المريض لو برىء في أثناء النهار وكان مفطراً، فإنه لا يلزمه الإمساك، ولو قدم المسافر أثناء النهار إلى بلده وكان مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك، ولو طهرت الحائض في أثناء النهار فإنه لا يلزمها الإمساك، لأن هؤلاء كلهم أفطروا بسبب مبيح للفطر، فكان ذلك اليوم في حقهم ليس له حرمة صيام؛ لإباحة الشرع الإفطار فيه، فلا يلزمهم الإمساك‏.‏

* * *

76 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ رجل مريض مرضاً لا يرجى برؤه، ولا يستطيع الصوم، فما الحكم‏؟‏ أفتونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين كل خير‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المريض مرضاً لا يرجى زواله لا يلزمه الصوم؛ لأنه عاجز، ولكن يلزمه بدلاً عن الصوم أن يطعم عن كل يوم مسكيناً هذا إذا كان عاقلاً بالغاً، وللإطعام كيفيتان‏:‏

الكيفية الأولى‏:‏ أن يصنع طعاماً غداءً أو عشاءً ثم يدعو إليه المساكين بقدر الأيام التي عليه كما كان أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ يفعل ذلك حين كبر‏.‏

والكيفية الثانية‏:‏ أن يوزع حبًّا من بر، أو أرز، ومقدار هذا الإطعام مد من البر أو من الأرز، والمدّ يعتبر بمد صاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ربع الصاع، وصاع النبي صلى الله عليه وسلم يبلغ كيلوين وأربعين غراماً، فيكون المدّ نصف كيلو وعشرة غرامات، فيطعم الإنسان هذا القدر من الأرز أو من البر، ويجعل معه لحماً يؤدمه‏.‏

86 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن المريض إذا وجب عليه الإطعام فهل يجوز دفع ذلك الإطعام لغير المسلمين إذا كان في بلاد كافرة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ جوابنا على هذا أن نقول ‏:‏ أولاً ‏:‏ لا بد أن نعرف أن المريض ينقسم إلى قسمين‏:‏

القسم الأول‏:‏ مريض يرجى برؤه مثل ذوي الأمراض الطارئة التي يرجى أن يشفى منها، فهذا حكمه كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ‏}‏، ليس عليه إلا أن ينتظر البرء ثم يصوم، فإذا قدر أنه استمر به المرض في هذه الحال، ومات قبل أن يشفى فإنه ليس عليه شيء؛ لأن الله إنما أوجب عليه القضاء في أيام أخر وقد مات قبل إدراكها، فهو كالذي يموت في شعبان قبل أن يدخل رمضان لا يقضى عنه‏.‏

القسم الثاني‏:‏ أن يكون المرض ملازماً للإنسان مثل مرض السرطان ـ والعياذ بالله ـ ومرض الكلى، ومريض السكر وما أشبهها من الأمراض الملازمة التي لا يرجى انفكاك المريض منها، فهذه يفطر صاحبها في رمضان، ويلزمه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً كالكبير والكبيرة اللذين لا يطيقان الصيام يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكيناً ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُوادَتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ‏}‏‏.‏ فكان هذا في أول الأمر على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، ولكن الصيام خير له كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ‏}‏، فكان فيه التخيير بين الصيام والإطعام، ثم وجب الصيام عيناً في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏، فجعل الله تعالى الإطعام عديلاً للصيام، إما هذا وإما هذا في أول الأمر ثم تعين الصيام، فإذا لم يتمكن الإنسان من الصيام لا وقت رمضان ولا ما بعده، رجعنا إلى العديل، الذي جعله الله معادلاً للصيام وهو الإطعام، فيجب على المريض المستمر مرضه، وعلى الكبير من ذكر وأنثى إذا عجزوا عن الصوم أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً، سواء إطعاماً بتمليك بأن يدفع إلى الفقراء هذا الإطعام، أو كان الإطعام بالدعوة يدعو مساكين بعدد أيام الشهر فيعشيهم كما كان أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ يفعل حين كبر صار يجمع ثلاثين مسكيناً فيعشيهم فيكون ذلك بدلاً عن صوم الشهر‏.‏

وخلاصة ذلك أن المرض قسمان‏:‏ مرض طارىء يرجى زواله، فهذا ينتظر حتى يعافيه الله ويقضي‏.‏

ومرض ملازم فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً‏.‏

وأما إذا كان الإنسان في غير بلاد إسلامية ووجب عليه الإطعام فإن كان في هذه البلاد مسلمون من أهل الاستحقاق أطعمهم، وإلا فإنه يصرفه إلى أي بلد من بلاد المسلمين التي يحتاج أهلها إلى هذا الإطعام، والله أعلم‏.‏

* * *

96 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ بالنسبة لمن يقوم بعمل غسيل كلى أينقض وضوءه خروج الدم منه أثناء الغسيل‏؟‏ وكيف يصوم ويصلي أثناء الغسيل إذا وافق وقت الصلاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ أما نقض الوضوء فإنه لا ينقض الوضوء وذلك لأن القول الراجح من أقوال العلماء أن الخارج من البدن لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من السبيلين، فما خرج من السبيلين فهو ناقض للوضوء، سواء كان بولاً، أم غائطاً، أم ريحاً، كل ما خرج من السبيلين فإنه ناقض للوضوء‏.‏

وأما ما خرج من غير السبيلين كالرعاف يخرج من الأنف، والدم يخرج من الجرح وما أشبه ذلك فإنه لا ينقض الوضوء لا قليله ولا كثيره، وعلى هذا فغسيل الكلى لا ينقض الوضوء‏.‏

أما بالنسبة للصلاة فإنه يمكن أن يجمع الرجل المصاب بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وينسق مع الطبيب المباشر في الوقت بحيث يكون الغسيل لا يستوعب أكثر من نصف النهار لئلا تفوته صلاة الظهر والعصر في وقتيهما‏.‏ فيقول له مثلاً‏:‏ أخر الغسيل عن الزوال بمقدار ما أصلي به الظهر والعصر، أو قدمه حتى أتمكن من صلاة الظهر والعصر قبل خروج وقت العصر‏.‏ المهم أنه يجوز له الجمع دون تأخير الصلاة عن وقتها، وعلى هذا فلابد من التنسيق مع الطبيب المباشر‏.‏

وأما بالنسبة للصيام فأنا في تردد من ذلك، أحياناً أقول‏:‏ إنه ليس كالحجامة، الحجامة يستخرج منها ولا يعود إلى البدن، وهذا مفسد للصوم كما جاء في الحديث، والغسيل يخرج الدم وينظف ويعاد إلى البدن‏.‏ لكن أخشى أن يكون في هذا الغسيل مواد مغذية تغني عن الأكل والشرب، فإن كان الأمر كذلك فإنها تفطر، وحينئذ إذا كان الإنسان مبتلى بذلك أبد الدهر يكون ممن مرض مرضاً لا يرجى برؤه فيطعم عن كل يوم مسكيناً‏.‏

وأما إذا كان في وقت دون آخر فيفطر في وقت الغسيل ويقضيه بعد ذلك‏.‏

وأما إن كان هذا الخلط الذي يخلط مع الدم عند الغسيل لا يغذي البدن، ولكن يصفي الدم وينقيه فهذا لا يفطر الصائم‏.‏ وحينئذ له أن يستعمله ولو كان صائماً ويرجع في هذا الأمر إلى الأطباء‏.‏

* * *

07 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ امرأة أصيبت بجلطة قبل رمضان ولم يغم عليها إغماء كاملاً، فكانت تبدأ بالصلاة وأثناء الصلاة تخاطب من حولها، ولما قرب رمضان أغمي عليها إغماء كاملاً، ولكن الأطباء قالوا‏:‏ إنها تسمع ثم توفيت في رمضان، فهل يكفر عنها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذه المرأة التي أصيبت بجلطة قبل رمضان وبقيت مغمى عليها أو فاقدة الشعور، يطعم عنها لكل يوم مسكين، لأن الصحيح أن الإغماء لا يمنع وجوب الصوم، وإنما يمنع وجوب الصلاة، فلو أغمي على الإنسان بغير اختياره وبقي يومين أو ثلاثة فلا صلاة عليه، أما إذا كان باختياره كما لو أغمي عليه بواسطة البنج فإنه يلزمه القضاء‏.‏

17 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ امرأة مصابة بجلطة ومنعها الأطباء من الصيام فما الحكم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏، وإذا كان الإنسان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، وكيفية الإطعام‏:‏ أن يوزع عليهم طعاماً من الرز، ويحسن أن يكون معه ما يؤدمه من اللحم أو غيره، أو يدعو مساكين إلى العشاء، أو إلى الغداء فيعشيهم، أو يغديهم، هذا هو حكم المريض مرضاً لا يُرجى برؤه، وهذه المرأة المصابة بما ذكره السائل من هذا النوع، فيجب عليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً‏.‏

* * *

27 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ مريض بالسكر لم يستطع الصيام في رمضان، وبعد انتهاء رمضان تحسن ورأى أن عليه أن يقضي رمضان، جرب يوماً ورأى نفسه متعباً، والمرض هذا قديم، فما حكمه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا يطعم عن كل يوم مسكيناً، لأن تركه للصيام كان لمرض لا يُرجى زواله‏.‏ والسكر ـ أعاذنا الله وإياكم منه ـ في الغالب لا يزول، فيطعم عن كل يوم مسكيناً‏.‏

* * *

37 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ لي أم مرضت قبل رمضان بتسعة أيام، وأخذت من رمضان خمسة أيام ثم توفيت، هل عليها صوم أم لا‏؟‏ أفيدونا جزاكم الله خيراً‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان مرضها لا يرجى شفاؤه أطعم عنها كل يوم مسكيناً؛ لأن كل إنسان يأتيه رمضان وهو في مرض لا يرجى منه الشفاء، فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً‏.‏

* * *

47 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ أمي ألمّ بها مرض لمدة أربع سنوات وتوفيت ولم تصم شهر رمضان فما الحكم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ أطعم عن كل يوم مسكيناً‏.‏

* * *

57 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ رجل كبير مريض لا يستطيع الصوم فهل يجزىء إخراج النقود عن الإطعام‏؟‏ وهل يجزىء عن ذلك أن ندفعها فيما يسمى بتفطير مجاهد‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يجب علينا أن نعلم قاعدة مهمة، وهي أن ما ذكره الله عز وجل بلفظ الإطعام أو الطعام وجب أن يكون طعاماً، وقد قال تعالى في الصوم‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ‏}‏ وقال في كفارة اليمين‏:‏ ‏{‏فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏ وفي الفطرة فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من طعام، فما ذكر في النصوص بلفظ الطعام أو الإطعام فإنه لا يجزىء عنه الدراهم، وعلى هذا فالكبير الذي كان فرضه الإطعام بدلاً عن الصوم لا يجزىء أن يخرج بدلاً عنه دراهم، لو أخرج بقدر قيمة الطعام عشر مرات لم يجزئه؛ لأنه عدول عما جاء به النص، كذلك الفطرة لو أخرج قدر قيمتها عشر مرات لم يجزىء عن صاع من الحنطة؛ لأن القيمة غير منصوص عليها‏.‏ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏‏.‏ وعلى هذا فنقول للأخ الذي لا يستطيع الصوم لكبره‏:‏ أطعم عن كل يوم مسكيناً، ولك في الإطعام صفتان‏:‏

الصفة الأولى‏:‏ أن توزع عليهم في بيوتهم تعطي كل واحد خمس الصاع المعروف من الرز وتجعل معه ما يؤدمه‏.‏

الصفة الثانية‏:‏ أن تصنع طعاماً وتدعو إليه عدد المساكين الذين يجب أن تطعمهم، يعني يمكن إذا مضى عشرة أيام تصنع عشاء وتدعو عشرة من الفقراء يأكلون، وكذلك في العشر الثانية، والعشر الثالثة، كما كان أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ حين كبر وصار لا يستطيع الصوم يطعم ثلاثين فقيراً في آخر يوم من رمضان‏.‏

وأما صرفها لما يسمى بتفطير مجاهد، فالمجاهد ليس عندنا حتى نفطره، وإذا دفعنا ما يفطره اليوم فمتى يصل إليه‏؟‏ ربما يصل بعد يومين أو ثلاثة، أو ربما لا يصل إلا بعد العيد حسب المواصلات وحسب تسهيل الوصول، لكن شيئاً طلب منك اجعله في بلدك حتى تكون مطمئناً على وصوله في وقته، ومثل ذلك أيضاً زكاة الفطر لا تخرجها إلا في بلدك مهما كان الأمر، حتى إن العلماء قالوا‏:‏ يحرم على الإنسان أن يخرج فطرته في غير بلده، فإن كان ليس في بلده فقراء أخرجها في أقرب البلاد إليه من البلاد التي فيها الفقراء‏.‏ وزكاة الفطر والأضاحي مطلوبة من الشخص تتعلق ببدنه، ولهذا قال العلماء‏:‏ لو كان الإنسان في بلد وماله في بلد أخرج فطرته في البلد الذي هو فيه، وأخرج زكاة المال في البلد الذي فيه المال، وكوننا نجعل حتى الفطرة والأضحية تذهب إلى المكان الفلاني والناس الفلانيين هذا خطأ؛ لأن هذه عبادات مقصودة منا، والأضحية إذا دفعناها إلى مكان ما بقيت بيوتنا ليس فيها أضحية، فلا نقيم فيها شعائر الإسلام والأضحية من الشعائر، ولهذا قال العلماء‏:‏ لو تصدق بقيمة الأضحية ألف مرة ما أجزأت عن الأضحية لأن الله يقول‏:‏ ‏{‏لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ‏}‏ وأنا أرى أن مساعدة المجاهدين ينبغي أن يحث الناس على التبرع حتى يجعلوا من أموالهم نصيباً للجهاد في سبيل الله، أما أن تجعل الزكوات الواجبة التي هي خارجة على كل حال ومفروضة تجعل في الجهاد ولا تبذل أموال خاصة للجهاد، معنى ذلك أننا دفعنا نصيب الجهاد مما أوجب الله علينا من الزكاة، فكأننا لم نشارك في الجهاد بالتطوع للجهاد، لأن الزكاة مطلوبة منا فرض، وفتح هذا الباب للناس أن يجعلوا زكاة أموالهم وزكاة أبدانهم تصرف في الجهاد يجب أن يتأمل الإنسان فيه حتى لا نفتح للناس وقاية أموالهم بزكوات أموالهم، نقول‏:‏ اجعل في مالك للجهاد حتى تكون مجاهداً، أما أن تجعل زكاتك في الجهاد وتدع بقية أصناف الزكاة ففيه شيء‏.‏ صحيح أن المجاهدين لهم حق في الزكاة لكن غير المجاهدين سبعة أصناف لهم حق في الزكاة أيضاً، فاجعل التبرع للجهاد من مالك، واجعل من زكاتك للجهاد، واجعل لبقية الأصناف نصيبهم‏.‏ على كل حال الذي أريد أن أقوله في مسألة زكاة الفطر لا يجوز أن تخرج في غير بلد الإنسان، والأضحية لا يجوز أن تصرف إلا في بلد الإنسان، الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، جعلها الله تعالى للمقيمين في أوطانهم، كما جعل للحجاج هدايا في مكة والله حكيم، أما أن نصرفها دراهم للمكان الفلاني والمكان الفلاني، وتبقى بيوتنا معطلة من الأضاحي، أو من العقيقة بالنسبة للأولاد فلا، افتح للمسلمين التبرع للجهاد بأموالهم؛ لأن الجهاد بالمال عديل الجهاد بالنفس، دائماً يقرن في القرآن بين الجهاد بالمال والجهاد بالنفس، ويقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في الأغلب، أما أن نجعل زكواتنا والأشياء التي أوجب الله علينا في الجهاد، ونبقي دراهمنا محفوظة لا نشارك بالجهاد هذا فيه شيء من النظر، وأنا لست أقول‏:‏ لا نتبرع، بل ينبغي أن نتبرع للمجاهدين في كل مكان؛ لأنهم إخوتنا، وعلينا نصرتهم، لكن كوننا نجعل واجباتنا التي أوجب الله علينا في أموالنا، أو أوجبها الله شعيرة من شعائر الإسلام تكون في بيوتنا نصرفها يميناً وشمالاً هذا فيه نظر، والله أعلم‏.‏

* * *

67 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ يقول‏:‏ أمي تناولت دواءها بعد أذان الفجر في رمضان بوقت قصير وأنا قد نبهتها على أنها إذا شربت دواءها في هذا الوقت يكون عليها يوم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا شرب المريض الدواء في رمضان بعد طلوع الفجر فإن صيامه هذا غير صحيح؛ لأنه تعمد الإفطار ويلزمه الإمساك بقية اليوم، إلا إذا شق عليه الإمساك من أجل المرض فله أن يفطر من أجل المرض، ويلزمه القضاء؛ لأنه تعمد الفطر‏.‏

ولا يحل للمريض أن يتناول دواء وهو صائم في رمضان إلا عند الضرورة، مثل أن نخاف عليه من الموت فنعطيه حبوباً تخفف عنه، فإنه في هذا الحال يكون مفطراً ولا حرج عليه في الفطر مع المرض‏.‏

* * *

77 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ امرأة في الخمسين من عمرها ومريضة بالسكر، والصيام يسبب لها مشقة كبيرة، ولكنها تصوم رمضان وكانت لا تعرف أن أيام الحيض في رمضان لها قضاء إلا من فترة، وتراكم عليها حوالي مائتي يوم، فما حكم هذه الأيام خصوصاً مع حالتها في حالة مرضها، هل عفا الله عما سلف أم تصوم أم تطعم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذه المرأة إذا كانت على ما وصف السائل تتضرر من الصوم لكبرها ومرضها فإنه يطعم عنها عن كل يوم مسكين، فتحصي الأيام الماضية، وتطعم عنها عن كل يوم مسكيناً، وكذلك صيام رمضان الحاضر، إذا كان يشق عليها ولا يرجى زوال المانع، فإنها تطعم عن كل يوم مسكيناً كما ذكرنا ذلك سابقاً‏.‏

* * *

87 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ المريض مرضاً مستمرًّا ماذا يفعل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان المريض بمرض يرجى برؤه فإنه يقضي ما فاته أثناء مرضه، وأما إذا كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، ربع صاع من البر، أو نصف صاع من غيره، أما إذا قال له الطبيب‏:‏ إن صومك يضرك في أيام الصيف‏.‏ فنقول له‏:‏ يصوم ذلك في أيام الشتاء، وهذا تختلف حاله عن الذي يضره الصوم دائماً، والله أعلم‏.‏

* * *

97 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ من فاتها الصيام بسبب المرض ماذا تفعل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا عافاها الله تعالى فإنها تقضي ما عليها من الأيام، فإن استمر بها المرض وأيس من شفائها، فإنها تنتقل إلى الإطعام، فتطعم عن كل يوم مسكيناً‏.‏ والله الموافق‏.‏

* * *

08 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ في شهر رمضان الفائت وبالتحديد في يوم 12 رمضان أفطر والدي وهو مريض، وتوفي في المستشفى في اليوم التاسع من شوال فما الحكم‏؟‏ جزاكم الله خيراً‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان مرضاً لا يرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً ، وإن كان مرضاً يرجى برؤه ولكن بعد خروج رمضان تفاقم به المرض ـ كما توضح رسالتك ـ حتى توفي، فلا شيء عليه، لأن الواجب عليه القضاء، لكنه لم يتمكن منه‏.‏

* * *

18 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ زوجتي فاتها من صيام رمضان العام الماضي 1141هـ اثنان وعشرون يوماً بسبب مرض وضعف في الجسم، حيث عرضت على الدكتور فأنذرها بعدم إكمال أيام رمضان، وقال‏:‏ إنها لن تستطيع؛ لأن ذلك يضرها فتوقفت عن إكمال هذه الفترة، وإلى تاريخه لم تقدر على الصيام، أفيدونا هل بإمكانها صوم هذه الأيام متفرقات أو مجتمعات قبيل رمضان الآتي، أو بإمكانها أن تطعم بدلاً عن الصيام‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان عجزها لا يُرجى زواله فإن من الواجب عليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً؛ لأنها بمنزلة الشيخ الكبير والمرأة الكبير اللذين لا يستطيعان الصيام، فإنهما يطعمان عن كل يوم مسكيناً، أما إذا كان بإمكانها أن تقضي ما عليها ولو يوماً بعد يوم، أو يوماً بعد يومين، فالواجب عليها القضاء، وهي تعرف نفسها‏:‏ هل تقدر أو لا تقدر‏؟‏ وهل يأذن لها الأطباء في الصوم أو لا يأذنون لها‏؟‏

* * *

28 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل على المريض الذي لا يرجى برؤه صيام أم فدية‏؟‏ وإن كان فدية فهل يجوز إخراجها مقدماً‏؟‏ وهل تدفع لشخص واحد أم لعدة أشخاص‏؟‏ وإن حدث أن برىء من المرض فهل يجب عليه القضاء أم يسقط عنه القضاء‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا برىء من المرض لا يلزمه الصيام؛ لأنه أدى ما يجب عليه وبرئت ذمته، وقد سبقت الإجابة على باقي نقاط السؤال‏.‏

* * *

38 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ شخص له والدة طاعنة في السن وهي تصر على الصوم، مع أن ذلك يضر بصحتها، فهل هناك كفارة من عدم صومها‏؟‏ وما هي‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، جوابنا على ذلك‏:‏ إذا كان الصوم يضر بصحتها كما ذكر السائل فإنه لا يجوز لها أن تصوم؛ لأن الله تعالى يقول في القرآن‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ‏}‏ ‏{‏ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏}‏ فلا يجوز لها أن تصوم، والصوم يضر بصحتها، ومادامت طاعنة في السن فإن الغالب أنها لا تقدر على الصوم في المستقبل، وحينئذ تطعم عن كل يوم مسكين، فإما أن يعطى الطعام إلى المسكين ومقداره ربع صاع من البر، أو نصف صاع من غيره، والرز مثل البر؛ لأن انتفاع الناس به كانتفاعهم بالبر، بل أنفع، إذ أنه لا يحتاج إلى المشقة كما يحتاج إليها البر، وإما أن يصنع طعاماً ويدعو إليه مساكين بعدد أيام الشهر، وبذلك تبرأ الذمة، والله أعلم‏.‏

* * *

48 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ مريض بالكلى ولا يستطيع الصوم، لأن الطبيب نصحه باستعمال السوائل دائماً، وقال له‏:‏ إن الصوم يضاعف من الحصوات، ويؤدي إلى إتلاف الكلية فما حكم هذا‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ جوابنا على ذلك أن نقول‏:‏ إن هذا يعتبر من المرضى، ويعتبر مرضه فيما يبدو من الأمراض المستمرة، فعليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، كما تقدم، وكيفية الإطعام إما أن يصنع طعاماً فيدعوهم إليه حتى يأكلوا منه، وإما أن يفرق أرزاً لكل مسكين أو من البر، وإذا حصل مع ذلك أن يجعل شيئاً يؤدمه من لحم أو غيره أحسن وأفضل‏.‏

أما إذا قال الطبيب‏:‏ إن هذا المرض يضرك الصيام فيه في أيام الصيف، ولكنه لا يضر في أيام الشتاء‏.‏ فإنه يؤجل الصوم إلى أيام الشتاء ولا يطعم، لأن هذا تختلف حالته عن الذي يضره الصوم، والله أعلم‏.‏

* * *

58 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ يوجد في المستشفى مريض له ستة أشهر ولم يصل، حيث لا يستطيع، وكذلك الصيام، ما هو العمل لأداء الصلاة والصوم عنه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ أما الصلاة فلا أظن أن أحداً لا يستطيع أداءها، لأن الصلاة يجب أن يصليها الإنسان قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب ‏(‏يومىء برأسه‏)‏ فإن لم يستطع ‏(‏أومأ بعينه‏)‏ فإن لم يستطع الإيمان بالعين صلى بقلبه، يعني كبّر وقرأ الفاتحة بعد الاستفتاح، ثم كبر ونوى أنه ركع، وقال‏:‏ سبحان ربي العظيم، ثم قال‏:‏ سمع الله لمن حمده، وهكذا‏.‏

فإن كان ليس له وعي فإن الصلاة في هذه الحال تسقط عنه، أما الصوم فإنه إذا استطاع الصيام صام، وإن لم يستطع فإنه ينظر إذا كان مرضه يرجى برؤه انتظر حتى يشفى فيصوم، وإذا لا يرجى برؤه فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً‏.‏

68 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ مريض لا يرجى برؤه ولا يستطيع الصيام فيكف يخرج الكفارة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الكفارة إما أن يغدي المساكين أو يعشيهم، كما فعل أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ وإما أن يطعمهم حبًّا كل صاع لخمسة مساكين عن خمسة أيام، فتكون الأصواع للشهر كله ستة أصواع إذا كان ثلاثين أو ستًّا إلا خُمس إذا كان الشهر تسعاً وعشرين، وينبغي مع ذلك أن يجعل مع الحب ما يؤدمه من لحم أو دهن أو نحوهما‏.‏ والله أعلم‏.‏

* * *